الافق : متابعات
المستشار الدكتور محمد قدوري ( الاتحاد الاشتراكي )

رغم حصوله على ثقة أغلبية أعضاء المجلس، لم يتمكن الرئيس، أو لم يسعَ منذ توليه رئاسة جماعة مكناس، من تحقيق الوحدة والإجماع بين أعضاء المجلس المتعددين في انتماءاتهم الحزبية والسياسية. هذا الأمر يتطلب مهارات قيادية استثنائية في التواصل وبناء التوافق، خصوصًا في ظل التحديات التي تفرضها إدارة مجلس يتألف من أعضاء منتمين لأحزاب مختلفة، في مدينة تعاني من الإهمال وسوء التدبير والتسيير والتخطيط في شتى المجالات: التعمير، الصحة، الإنارة، الثقافة، الرياضة، التعليم، المجتمع المدني، البيئة، السياحة، وغيرها.
ما يميز القانون رقم 113.14 المتعلق بالجماعات هو طابعه الرئاسي الذي يركز صلاحيات واسعة في يد رئيس المجلس.
هذا التركيز يخلق إما ديناميكية إيجابية تؤدي إلى تضافر جهود المكتب والأغلبية لتحقيق تطلعات السكان، أو ديناميكية سلبية تعتمد على الإدارة الفردية العشوائية المبنية على العناد والمكابرة.
و للأسف، تبنى الرئيس نهجًا سلبيًا في إدارته للشأن العام. ومن بين المظاهر البارزة لذلك إهماله للشأن المالي؛ حيث ظهر غير ملمٍ بمصادر دخل الجماعة، مثل العائدات من المقالع. الأسوأ من ذلك، سمح بتدخل أشخاص غرباء عن الإدارة وغير منتخبين في شؤون الجماعة اليومية،
الأخطر من هذا كله هو تقديمه لمصالحه الشخصية على المصلحة العامة، حتى لو تطلب ذلك التضحية بسمعة مواليه أو المبادئ التي يدعون التمسك بها.
كما أصر الرئيس على عدم الكشف عن تفاصيل صرف ميزانية الأنشطة الثقافية والرياضية لسنة 2022، رغم المطالبات المتكررة بالشفافية، مما أدى إلى تعميق أزمة الثقة وزيادة الشكوك حول كيفية إنفاق الأموال العامة. (ولا يبقى أمامنا سوى دراسة إمكانية اللجوء إلى القضاء المختص).
لا شك أن للرئيس دورًا محوريًا في تسيير شؤون الجماعة، لكن تحقيق الوحدة والتوافق لا يقتصر على مسؤوليته وحده. بل هي مسؤولية مشتركة تقع على عاتق جميع أعضاء الأغلبية. فإذا كانت هذه الأغلبية قد اجتمعت من قبل لسحب الثقة من الرئيس، واليوم تطالب باستقالته، فما الذي منعها من الاجتماع مسبقًا لتطبيق مبادئ الديمقراطية التشاركية وإعداد برنامج عمل شامل للجماعة؟ وما الذي يمنعها الآن من تقديم رؤية متكاملة وواضحة تضع مصلحة السكان في المقام الأول، بعيدًا عن المحسوبية والزبونية؟
لذلك و بالتطلع إلى المستقبل، وكما عبرنا من قبل، يتعين على جميع الأحزاب، بمختلف توجهاتها، أن تكون على مستوى التحديات التي تواجه مدينة مكناس، وتقدر حجم المخاطر التي تعيشها المدينة. عليها أن تعمل على خلق مناخ سياسي ملائم لحوار شامل يضم كافة الأطراف ويستبعد فقط من استبعد نفسه، بهدف وضع رؤية مشتركة لمستقبل المدينة.
في الختام، لا أملك المعطيات الكافية لتقييم إمكانية إقالة الرئيس، فالوضع السياسي متقلب باستمرار، ويتأثر بمصالح الأعضاء ومفهومهم للمسؤولية. هل يعتبرونها أمانة ومسؤولية، أم وسيلة لتحقيق مصالح شخصية أو حزبية ضيقة؟
وكما قال الأخ عبد الحميد جماهري: “وإذا ربح الفساد المعركة، فاللهم اجعلنا من الخاسرين.”

