الأفق ميديا :.
الجزء الثاني من مداخلة المستشار الدكتور محمد قدوري في الندوة التي نظمها فرع حمرية لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية تحت شعار “مكناس إلى أين؟ واقع الصحة نموذجًا”. وقد تناول في مداخلته موضوع “مكناس: نظرة على الوضع الصحي الراهن”
الخدمات الصحية :
• يُعدّ نظام الرعاية الصحية بمثابة شبكة متكاملة من الموارد البشرية والمادية واللوجستية والمالية التي تسخرها الدولة لخدمة المواطنين وتلبية احتياجاتهم الصحية. وهو عبارة عن باقة شاملة من الخدمات الصحية المتاحة للجميع.
• و للتأكد من جودة وفعالية هذا النظام، ومدى استجابته لتطلعات المواطنين، يجب تقييم أدائه بناءً على مؤشرات رئيسية تتوافق مع معايير منظمة الصحة العالمية
للتذكير: شهدت مدينة مكناس منذ بداية القرن العشرين، مع دخول الاستعمار الفرنسي، تطورًا ملحوظًا في بنيتها التحتية الصحية، حيث أُنشئت مستوصفات ومستشفيات مهمة استفادت منها الساكنة المكناسية وما زالت تستفيد منها حتى يومنا هذا. ومن أبرز هذه المنشآت:
• إصلاح دار الجامعي وتحويلها إلى مستشفى عسكري لويس.
• مستوصف رياض القسطاني داخل المدينة العتيقة.
• مستوصف الأب موبير بالدريبة.
• بناء مستشفى كبير سُمِّيَ بمستشفى لويس القبيبات مولاي إسماعيل سنة 1922.
• مستشفى سيدي سعيد لأمراض السل.
• مستشفى محمد الخامس سنة 1956.
بالإضافة إلى ذلك، تولى ثلاثة مكناسيين منصب وزير الصحة في الحكومات المغربية المتعاقبة.
وعلى الرغم من هذه الإنجازات في البنيات التحتية التي تخص المجال الصحي، إلا أن مدينة مكناس لم تُنصف بعد، إذ لم يتم الدفاع عنها كمدينة مؤهلة لاحتضان كلية الطب ومستشفى جامعي.
1- مجموع السكان الترابي لعمالة مكناس: 942.945 نسمة
جميع هذه الارقام تخص عمالة مكناس
2- البنيات التحتية الصحية:
• المؤسسات الاستشفائية :
القوات المسلحة الملكية : 1 مستشفى
القطاع العام : 5 مستشفيات
القطاع الخاص : 18 مصحة
• المراكز الصحية او العيادات :
القطاع العام : 64 مركز صحي
القطاع الخاص : 506 عيادة طبية
يبلغ متوسط عدد السكان لكل مركز صحي تابع للقطاع العام 14,734 نسمة.
ووفقًا لتوصيات منظمة الصحة العالمية، يجب أن يستقبل كل مركز صحي أولي ما بين 5,000 و10,000 نسمة.
• وهذا يفسر الضغط الكبير الذي تشهده المرافق الصحية في المدينة، والتي تقدم خدمات الرعاية الصحية الأولية. ومن الأمثلة على ذلك:
ذهبت امرأة مريضة من سكان حي أكدال إلى المركز الصحي في الحي، حيث استغرقت ساعة ونصف لقطع المسافة إلى هناك، ثم قضت ساعتين إضافيتين في الانتظار حتى يحين دورها لمقابلة الطبيب.
عندما دخلت إلى الطبيب، قدمت له دفترها الصحي، فقام بقراءته، وعلى أساس ما كتبته ممرضة المركز، وصف لها الدواء دون أن يسألها عن حالتها أو يقوم بفحصها.
تفاجأت المريضة من هذا الأمر، وأعربت عن استغرابها قائلة للطبيب: “يا بني، ما دمت تكتفي بقراءة الدفتر، كان بإمكانك أن تطلب مني إرساله إليك مع جارتي، وبذلك تعفيني من عناء النزول من المنزل والانتظار الطويل في المركز.”
• لا يكفي مجرد وجود عدد كبير من المؤسسات الصحية، بل يجب أن تكون هذه المؤسسات ذات جودة عالية. ويشمل ذلك توفر التجهيزات الحديثة، وحالة المباني الجيدة، والنظافة، وتوافر الأدوية الضرورية.
• مستعجلات مستشفى محمد الخامس بمكناس تعدّ نقطة حيوية في نظام الرعاية الصحية بالمدينة، لكنها تواجه تحديات كبيرة تؤثر سلبًا على جودة الخدمات المقدمة للمرضى.
يعود ذلك إلى نقص حاد في الأطباء والممرضين، بالإضافة إلى ضعف التجهيزات الطبية، مما يؤدي إلى زيادة الضغط على العاملين الصحيين وتأخير تقديم الرعاية اللازمة للمرضى. وفي ظل هذه الظروف، يستقبل المستشفى أعدادًا كبيرة من المرضى يوميًا، مما يؤدي إلى اكتظاظ شديد في قاعات الانتظار والممرات.
نتيجة لذلك، يضطر المرضى إلى الانتظار لساعات طويلة قبل تلقي العلاج، وهو ما يزيد من معاناتهم، خاصة في الحالات المستعجلة التي تتطلب تدخلاً فوريًا.
بسبب هذه الصعوبات، يعبر العديد من المرضى عن عدم رضاهم عن جودة الخدمات المقدمة في قسم المستعجلات، معتبرين أن الوضع الحالي لا يلبي احتياجاتهم الصحية بالشكل المطلوب.
3- الطاقة الاستيعابية للأسرة :nombre de lits d’hôpitaux
القوات المسلحة الملكية : 322 سرير
القطاع العام : 776 سرير
القطاع الخاص : 536 سرير
عدد السكان لكل سرير واحد ( القطاع العام ) : 0,8 سرير لكل 1000 نسمة
يلاحظ بقسم المستعجلات وقسم التوليد تجاوزٌ للطاقة الاستيعابية، حيث يتم تقاسم الأسرّة بين المرضى أو يُؤوَى المرضى على الأرض
تراوح معدل إشغال الأسرّة في قسم التوليد وأمراض النساء بمستشفى بانيو عام 2016 بين 91% و160%
توصي منظمة الصحة العالمية بحد أدنى قدره 3 أسِرَّة مستشفيات لكل 1,000 نسمة لضمان وصول مناسب إلى الرعاية الصحية.
4- عدد السكان لكل طبيب :
• عدد الاطباء بعمالة مكناس :896 طبيبة و طبيب موزعة على الشكل التالي :
القوات المسلحة الملكية : 171
القطاع العام 219
القطاع الخاص : 506
وفقًا لمعايير منظمة الصحة العالمية، يُفضل أن يكون هناك طبيب واحد لكل 650 نسمة لضمان تقديم رعاية صحية كافية.
• عدد السكان لكل طبيب بعمالة مكناس (القطاع العام) : 4305 نسمة
• عدد السكان لكل طبيب بعمالة مكناس (جميع القطاعات) : 1052 نسمة
مما يعني أن عمالة مكناس تعاني من ضعف في الخدمات الطبية، ناجم عن نقص حاد في الأطقم الطبية. وينتج عن ذلك تعليق مؤقت لبعض خدمات المصالح، نظرًا لعدم توافر الكوادر الطبية
مثل : يحتوي مستشفى محمد الخامس على ثمانية أقسام جراحية تغطي مجموعة واسعة من التخصصات، وهي:
• الجراحة العامة
• جراحة الأطفال
• جراحة العظام
• جراحة الأعصاب
• جراحة المسالك البولية
• الجراحة الترميمية
• الجراحة الوعائية
• جراحة الأورام
يُعد هذا التنوع دليلًا على قدرة المستشفى على التعامل مع مجموعة واسعة من الأمراض والحالات الجراحية.
ومع ذلك، لا يضم مستشفى محمد الخامس سوى طبيبين مختصين في التخدير والإنعاش، مما يشكل تحديًا كبيرًا يؤثر على جودة الخدمات الجراحية المقدمة. حيث يؤدي هذا النقص إلى:
• تأخير العمليات الجراحية، نظرًا لأهمية حضور طبيب التخدير في أي عملية تتطلب تخديرًا.
• زيادة الضغط على الأطباء المتواجدين في قسم الإنعاش، مما قد يؤثر على جودة الرعاية المقدمة.
• تعريض حياة المرضى للخطر، خاصة في الحالات المستعجلة التي تتطلب تدخلاً جراحيًا عاجلًا.
5- توزيع الأطباء حسب الاختصاص :
• الطب العام :232 ( 26 % )
• اطباء اخصائيين :664 ( 74% )
ظاهرة وجود عدد أكبر من الأطباء المتخصصين مقارنة بالأطباء العامين لها عدة تداعيات على النظام الصحي، منها:
• الوصول إلى الرعاية المتخصصة: يؤدي توفر عدد أكبر من الأطباء المتخصصين إلى تحسين إمكانية حصول المرضى على رعاية متقدمة لحالاتهم المعقدة
• تكاليف الرعاية الصحية المتخصصة : عادةً ما تكون الرعاية التخصصية أكثر تكلفة من الرعاية الأولية، مما قد يؤدي إلى ارتفاع النفقات الصحية على الأفراد والنظام الصحي ككل و قد تكون خدماتهم غير متاحة للجميع
• الرعاية الصحية الأولية : يلعب الأطباء العامون دورًا محوريًا في توجيه المرضى بين مختلف التخصصات الطبية، ويساعدون في ضمان رعاية متكاملة وشاملة. كما يساهم الأطباء العامون في التوزيع العادل للخدمات الصحية
• نقص الأطباء العامين قد يؤدي :
صعوبة في الوصول إلى الرعاية الأولية، التي تعتبر أساسية للوقاية والتشخيص المبكر والعلاج للأمراض الشائعة.
ضعف التنسيق بين التخصصات المختلفة.
6- التوسع السريع للقطاع الصحي الخاص مقابل تراجع القطاع العام :
• عدد الاطباء
القطاع العام : سنة 2014 بنسبة % 47 و سنة 2024 بنسبة 30%
التداعيات المحتملة لتراجع القطاع الصحي العمومي :
• الوصول إلى الرعاية الصحية : قد يوفر القطاع الخاص وصولًا أسرع إلى بعض أنواع الرعاية، حيث يمكن أن تكون فترات الانتظار أقل مقارنة بالقطاع العام. ومع ذلك، فإن الوصول إلى الرعاية الخاصة يعتمد غالبًا على القدرة المالية للمرضى، مما قد يخلق تفاوتًا في الفرص
• جودة الرعاية : قد يستثمر القطاع الخاص أكثر في التكنولوجيا الطبية المتطورة والمعدات الحديثة، مما يمكن أن يحسن جودة بعض أنواع الرعاية.
ومع ذلك، قد تكون جودة الرعاية في القطاع العام عالية أيضًا، وغالبًا ما يكون الأطباء في القطاع العام مؤهلين تأهيلاً عالياً.
• تكاليف الرعاية : تعتبر الرعاية في القطاع الخاص أكثر تكلفة مقارنة بالقطاع العام. يمكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة نفقات الصحة للمرضى الذين يختارون العلاج في القطاع الخاص
• تحديات الوصول إلى الرعاية الطبية خارج أوقات عمل العيادات الخاصة : غالبية العيادات الخاصة تتبع ساعات عمل محددة، مما يترك فجوة في الخدمات الطبية خارج هذه الأوقات و عندما تكون العيادات الخاصة مغلقة، يواجه الأشخاص الذين يبحثون عن رعاية طارئة خيارات محدودة، وغالبًا ما يجدون أنفسهم في أقسام المستعجلات المزدحمة أو يؤجلون العلاجات اللازمة
• التوزيع الجغرافي : قد يكون الأطباء في القطاع الخاص أكثر تركيزًا في المناطق الحضرية الغنية الحيوية والجذابة ، بينما قد تكون المناطق الريفية أو الأقل حظًا تعاني من محدودية في الوصول إلى الرعاية الصحية.
• غالبًا ما يكون للقطاع العام دور في ضمان وصول أكثر عدلاً للرعاية في جميع أنحاء المملكة
باختصار، قد يوفر القطاع الخاص للرعاية الصحية بعض الفوائد، ولكنه يمكن أن يؤدي أيضًا إلى تفاوتات في الوصول إلى الرعاية وزيادة التكاليف. من المهم الحفاظ على توازن بين القطاعين العام والخاص لضمان نظام صحي عادل وفعال للجميع.
لقد كشفت جائحة كورونا )كوفيد – 19 ( التي عرفها المغرب كباقي دول العالم، عن الهشاشة التي يعاني منها القطاع الصحي، بحيث أن تداعيات فيروس كورونا نبهت كافة مكونات المجتمع إلى ضرورة إيلاء عناية واهتمام أكثر للقطاع الصحي و بالأخص القطاع الصحي العمومي
7- التزايد المستمر لتمثيل النساء في مهنة الطب:
• طبيبات :
2014 : 24 %
2024 : 45%
• اطباء :
2014 : 76%
2024 :55 %
إن التزايد المستمر لتمثيل النساء في مهنة الطب، رغم أنه يعد تقدمًا اجتماعيًا، قد يؤدي إلى بعض التحديات في تقديم الرعاية الصحية. فيما يلي بعض المشاكل المحتملة:
• إدارة المسؤوليات العائلية: تواجه النساء الطبيبات تحديات كبيرة في التوفيق بين حياتهن المهنية والعائلية. فقد تؤدي المسؤوليات المرتبطة بالأمومة وتربية الأطفال إلى انقطاع في مسيرتهن المهنية، أو تقليل ساعات العمل، أو صعوبة في تحمل نوبات العمل والمهام المستعجلة.
• يمكن أن يؤثر ذلك على توفر الأطباء لتقديم الرعاية المستعجلة، إضافة إلى تغطية فترات العمل الليلية والعطلات الأسبوعية.
• ساعات العمل والإنتاجية: تميل النساء الطبيبات إلى العمل لساعات أقل من زملائهن الذكور، سواء بسبب المسؤوليات العائلية أو كخيار شخصي. وقد يؤدي ذلك إلى تقليص الإنتاجية العامة في المجال الطبي. ومع ذلك، من المهم ملاحظة أن الإنتاجية لا تُقاس فقط بعدد ساعات العمل، بل أيضًا بجودة الرعاية المقدمة، وهي ميزة تمتلكها العديد من الطبيبات بفضل مهاراتهن المهنية والإنسانية.
8- تقرير المجلس الأعلى للحسابات : المركز الاستشفائي الإقليمي بمكناس
• الحكامة :
غياب مشروع المؤسسة الاستشفائية: لا يوجد مشروع معتمد يحدد الأهداف الاستراتيجية للمستشفى، مما يعوق التطوير المستدام.
مواعيد الفحوصات: تدار مواعيد الفحوصات والعمليات الجراحية والأشعة المقطعية بشكل غير منظم، مما يؤدي إلى تفضيل بعض المرضى على حساب الآخرين. لوحظ وجود مواعيد طويلة في العديد من التخصصات، مما يؤثر سلبًا على توفير الرعاية في الوقت المناسب.
ضحايا حوادث السير أو الحوادث الأخرى: يُجبرون على التنقل بين أقسام الطوارئ في مستشفى محمد الخامس ومستشفى مولاي إسماعيل
نقل حالات الولادة الصعبة: من مستشفى بانيو إلى مستشفى محمد الخامس حيث يتم النقل بواسطة سيارات إسعاف غير مجهزة طبيًا، مما يزيد من المخاطر.
نقص في التجهيزات والموارد البشرية في قسم المستعجلات: ما يعوق تقديم الرعاية الجراحية اللازمة.
تأخر الأطباء وعدم توفر الأسرة أو الأجهزة اللازمة في بعض الأقسام.
• الموارد البشرية والمالية:
انخفاض عدد الموظفين: نقص في عدد الممرضين بنسبة 17% بين عامي 2012 و2016.
شيخوخة الموظفين: 56% من الموظفين يتجاوز عمرهم 50 عامًا.
معدل غياب مرتفع: بلغ 5081 يوم غياب في عام 2016.
• الطب النفسي :
نقص في الموارد: قسم الطب النفسي يعاني من إشغال عالٍ جدًا للأسرّة، مما يؤدي إلى ظروف غير إنسانية للمرضى.
نقص الأدوية: يعاني القسم من نقص في الأدوية الموصى بها لعلاج الاضطرابات النفسية.
مخاطر إضافية: بما في ذلك محاولات الهروب والانتحار بسبب الظروف غير الملائمة
يتطلب الوضع الراهن تدخلات عاجلة لتحسين الحكامة، تعزيز الموارد البشرية، وتوفير البنية التحتية اللازمة لتحسين خدمات الرعاية الصحية
خاتمة :
لقد رسخت المملكة المغربية، منذ المؤتمر الوطني الأول للصحة عام 1959، في ظل حكومة عبد الله إبراهيم وبرعاية المغفور له محمد الخامس، مبدأ أساسياً يقضي بأن الصحة العامة هي مسؤولية الدولة، وهو ما تم تأكيده لاحقاً بتفعيل التغطية الصحية من قبل حكومة عبد الرحمن اليوسفي كوسيلة لتطبيق الحق في الصحة
واليوم، وإذ يؤكد التحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على ضرورة تحقيق الحق في الصحة ضمن إطار دولة اجتماعية شاملة، فإننا ندرك تمام الإدراك الترابط الوثيق بين العدالة الاجتماعية والصحة العامة. فالعوامل الاجتماعية، كالحق في العمل والسكن والتعليم والخدمات الصحية، تشكل ركيزة أساسية في مكافحة التفاوتات وتحقيق المساواة.
كما نؤكد على أن الصحة العامة لا تنفصل عن البيئة، فجودة الهواء والمساحات الخضراء والإدارة المستدامة للنفايات، بالإضافة إلى البنية التحتية الداعمة للنشاط البدني والمساحات المخصصة لخفض التوتر، هي عوامل حاسمة في تحسين صحة المواطنين.
وانطلاقاً من هذا المنظور الشامل، فإننا ندعو إلى تبني نهج تكاملي وتعاوني، يجمع بين المنتخبين والمجتمع المدني والخبراء، من أجل تحديد الأولويات واقتراح الحلول لبناء مدينة أكثر مرونة وشمولية وقادرة على مواجهة التحديات الصحية والمناخية في المستقبل.