ندوة الاتحاد الاشتراكي بمكناس وسؤال : “مكناس الى اين ؟ واقع الصحة نموذجا “.. مداخلة الدكتور محمد قدوري

الأفق ميديا : متابعات
مداخلة الدكتور محمد قدوري ( الجزء الاول )

تحت شعار “مكناس إلى أين؟ واقع الصحة نموذجًا”،

نظم فرع حمرية للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ندوة هامة تناولت واقع الصحة في مدينة مكناس. وقد تشرفت بالمشاركة كمتدخل في هذه الندوة إلى جانب الأخ والصديق، الأستاذ محمد الدحماني، عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والكاتب العام السابق للنقابة الوطنية للصحة. وقد تناولت في مداخلتي موضوع “مكناس: نظرة على الوضع الصحي الراهن”. ولتسهيل استيعاب مداخلتي، سأقوم بتقسيمها إلى جزأين ومشاركتها معكم. إليكم الجزء الأول من مداخلتي.

تعريف منظمة الصحة العالمية للصحة :
وفقًا لتعريف منظمة الصحة العالمية، تُعَدُّ الصحة مفهومًا متعدد الأبعاد يشمل الرفاهية الجسدية والعقلية والاجتماعية، ولا تقتصر فقط على غياب المرض أو توفير الرعاية الصحية. فالعوامل البيولوجية والوراثية والمناعية لا تمثل سوى 18% من المحددات المؤثرة على الصحة، بينما يتأثر الجزء الأكبر منها بأسلوب الحياة والبيئة المحيطة، بما في ذلك العوامل الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والسلوكية. لذا، تصبح الوقاية وتعزيز الصحة، إلى جانب الاهتمام بالصحة النفسية، عناصر أساسية لضمان جودة الحياة.
العوامل المؤثرة على الصحة:
من الضروري الإشارة إلى بعض الرسائل الواردة في تقرير “المندوبية السامية للتخطيط – المؤشرات الاجتماعية 2024″،:
• مؤشر ثقة الأسر (ICM) يُعد مؤشرًا اقتصاديًا مهمًا يعكس مستوى تفاؤل أو تشاؤم المستهلكين بشأن وضعهم المالي والاقتصادي العام.:
 87% من الأسر لاحظت تدهورًا في مستوى معيشتها خلال العام الماضي.
 57.9% تتوقع استمرار هذا التدهور خلال العام المقبل.
 ثمانية من كل عشرة أسر تعتبر أن الظرف الاقتصادي الحالي غير مناسب لشراء الممتلكات.
• تتحمل الأسر المغربية 59.7% من إجمالي النفقات الصحية.
1- العوامل الاجتماعية والاقتصادية المؤثرة على الصحة:
تلعب العوامل الاجتماعية والاقتصادية دورًا جوهريًا في تحديد مستوى الصحة العامة، ومن أبرز هذه العوامل:
• الدخل والوضع الاجتماعي: يؤثران على إمكانية الوصول إلى الغذاء الصحي، السكن اللائق، والخدمات الأساسية.
• التعليم ومحو الأمية: يساعدان على فهم المعلومات الصحية وتبني سلوكيات صحية سليمة.
• الوصول إلى الخدمات الصحية: يحدد جودة الرعاية الصحية ومدى استفادة الأفراد منها.
• ظروف العمل: تؤثر على الصحة الجسدية والنفسية للعاملين.
• العلاقات الاجتماعية: توفر الدعم النفسي وتؤثر على الصحة العقلية.
• الأمن والاستقرار: يحدّ من القلق والتوتر، مما ينعكس إيجابيًا على الصحة.
• المساواة: تضمن توزيعًا عادلًا للموارد والخدمات الصحية.
التداخل بين العوامل الاقتصادية والاجتماعية وتأثيرها على الصحة:
عندما تتفاقم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، فإنها تؤدي إلى بيئة غير صحية تساهم في انتشار الأمراض وزيادة الأعباء الصحية.( حي سيدي بوزكري ، حي سيدي بابا ن البساتين ……) ومن أبرز هذه المشكلات:
• الفقر
• ضعف مستوى التعليم
• تدهور الخدمات الصحية
• البطالة وتدني الأجور
• غياب الاستقرار المالي
كما أن تدهور البنية التحتية في هذه الأحياء يفاقم من هذه المشاكل، حيث تتميز هذه الأحياء بـ:
• كثافة سكانية مرتفعة.
• غياب التنسيق في البناء، سواء من حيث الشكل أو المساحة أو الطلاء.
• انتشار النفايات الصلبة وتسرب المياه العادمة في الأزقة.
• وجود بقع شاغرة تتحول إلى مكبات عشوائية للنفايات.
ادا ما اضفنا التهميش وعجز السياسات عن تقديم حلول فعالة، كل هذه المشكلات سيساهمان في خلق بيئة مواتية لانتشار الأمراض والسلوكيات غير الصحية، مثل:
• الأمراض المعدية: كالسل والإنفلونزا، نتيجة الاكتظاظ وانعدام النظافة.
• الأمراض المعوية: مثل الإسهال، بسبب تلوث المياه وسوء الصرف الصحي.
• الأمراض الجلدية وسوء التغذية: نتيجة نقص الخدمات الصحية وسوء الظروف المعيشية.
• تفاقم الأمراض المزمنة: بسبب قلة الوعي الصحي وصعوبة الحصول على العلاجات اللازمة.
• زيادة معدلات العنف الأسري والضغط النفسي: نتيجة الضغوط الاقتصادية والاجتماعية.
و في ظل هذه الظروف، تزداد احتمالية ظهور سلوكيات منحرفة تهدد صحة الأفراد والمجتمع، ومنها:
• الإدمان على المخدرات والكحول: بما في ذلك الحشيش، الشيشة، السيليسيون، والقرقوبي (بولا حمرة).
• الآثار الصحية والنفسية للإدمان: تدهور صحة المستهلكين، تفشي الأمراض، وتزايد حالات العنف والجريمة.
2- العوامل البيئية:
من العوامل المهمة المؤثرة على الصحة: العوامل البيئية
البيئة هي إطار شامل يتفاعل فيه عنصران أساسيان بشكل معقد ومستمر:
• المكون الطبيعي: يشمل التربة، الهواء، الماء، المناخ، والتنوع البيولوجي.
• المكون البشري: يشمل العوامل الاجتماعية، الاقتصادية، والسياسية.
ينتج عن هذا التفاعل آثار متعددة، قد تكون إيجابية أو سلبية، ومن أبرز الآثار السلبية: النفايات.
مصادر المعلومات حول النفايات:
• أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه بعنوان: “البيئة الحضرية بمكناس الكبرى: مقاربة جغرافية لإشكالية النفايات الصلبة”.
• إعداد الطالبة الباحثة الزهرة النعيمي، السنة الدراسية 2019/2020.
• جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، ظهر المهراز – فاس.

Ad image

تأثير النفايات على الصحة
تُعد النفايات من أبرز العوامل البيئية المؤثرة سلبًا على صحة الإنسان، حيث تساهم في تلوث الهواء والماء والتربة، مما يؤدي إلى انتشار العديد من الأمراض.
• تلوث الهواء
يؤدي حرق النفايات إلى انبعاث ملوثات خطيرة، مثل الجسيمات الدقيقة وأول أكسيد الكربون، مما يزيد من مخاطر الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي، كالتهاب الشعب الهوائية والربو، وأمراض القلب والأوعية الدموية. كما يُسهم في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري، مما يؤثر سلبًا على الصحة العامة على المدى الطويل.
• تلوث المياه
تسرب المواد السامة الناتجة عن تحلل النفايات إلى المياه الجوفية والسطحية يؤدي إلى تلوثها، مما يرفع من مخاطر الإصابة بأمراض الجهاز الهضمي وأمراض الكلى.
• تلوث التربة
تراكم المواد السامة في التربة، سواء من النفايات المنزلية أو الصناعية أو الفلاحية، يؤدي إلى تلوث المحاصيل الزراعية. تناول أطعمة مزروعة في تربة ملوثة قد يسبب التسمم واضطرابات الجهاز العصبي وأمراض أخرى خطيرة.
• انتشار الأمراض
تُشكّل النفايات المتراكمة بيئة خصبة لتكاثر الحشرات والقوارض الناقلة للأمراض، مثل الكوليرا والتيفوئيد والتهاب الكبد الوبائي.
واقع النفايات في عمالة مكناس:
1- . النفايات المنزلية والصلبة :
تُعد مكناس من بين المدن الأكثر تضررًا من بؤر التلوث بالنفايات المنزلية، حيث تحتضن 13 بؤرة تلوث من أصل 36 في جهة فاس-مكناس.
2- . النفايات الفلاحية:
وفقًا لدراسة أجرتها وكالة حوض سبو، تُشكل مخلفات معاصر الزيتون، وتربية الدواجن، والتخلص العشوائي من أنابيب الري والخيوط البلاستيكية ومتبقيات المبيدات والأسمدة الكيميائية، تهديدًا خطيرًا للبيئة في المنطقة.
3- النفايات الصناعية
تعاني ساكنة مكناس من مشاكل بيئية خطيرة بسبب انبعاث الروائح الكريهة والدخان من المصانع في المناطق الصناعية المختلفة مثل “البساتين”، “المنزه”، “سيدي بوزكري”، ويسلان، ومجاط. وقد كشفت دراسة أجرتها وكالة حوض سبو سنة 2015 أن عدد الوحدات الصناعية الملوثة للبيئة في المدينة بلغ 114 وحدة.
4- . النفايات التجارية
أصبحت جنبات الأسواق الأسبوعية وأسواق الجملة (الخضر، الدواجن، الأسماك) مرتعًا للنفايات المتراكمة، مما يزيد من انتشار الروائح الكريهة والمخاطر الصحية.
5- النفايات الطبية
يتم التخلص من بعض النفايات الطبية بشكل عشوائي مع النفايات المنزلية، مما يُعرّض عمال النظافة والمُفرزين العشوائيين لمخاطر العدوى بالأمراض الخطيرة.
6- واد بوفكران: أزمة بيئية وصحية
تحول واد بوفكران الى قناة رئيسية للصرف الصحي، تُصرف فيه النفايات الصناعية دون أي معالجة أولية من قِبل الوحدات الصناعية الأكثر تلويثًا، مثل الصناعات الصيدلانية، وصناعات الأعلاف، والصناعات المعدنية، وتصفية الزيت. ونتيجة لذلك، يصبح الواد في حالة سيئة للغاية عند مروره عبر المدينة والأراضي الفلاحية، مما يؤثر سلبًا على جودة البقوليات في المنطقة، وكذلك على صحة المستهلكين من سكان المدينة.
7- الحيوانات الضالة: مخاطر صحية إضافية
انتشار الكلاب والقطط الضالة، إضافة إلى الجرذان، يزيد من تهديدات الصحة العامة بسبب الأمراض التي تنقلها، ومنها:
• الكلاب الضالة: داء الكلب (Rage)، إضافة إلى الإصابات الجسدية والصدمات النفسية الناجمة عن الهجمات.
• القطط الضالة: داء المقوسات (Toxoplasmose)، مرض خدش القطة، …..
• الجرذان: داء اللولبية النحيفة، وتلوث الطعام.
كما أن هذه الحيوانات مع المكون البشري تساهم في تلوث الحدائق والأماكن العامة من خلال التبول والتبرز، مما يفاقم المشكلات البيئية والصحية.
سؤال يستحق التأمل:
هل تُعد مدينة مكناس بيئةً حاضنةً للصحة والرفاه، أم أنها مصدر لمشاكل صحية تهدد سكانها؟
يتبع

اترك تعليقا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *